الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.الكتاب الثالث: في أخبار البربر والأمة الثانية من أهل المغرب وذكر أوليتهم وأجيالهم ودولتهم منذ بدء الخليقة لهذا العهد ونقل الخلاف الواقع بين الناس في أنسابهم. .(الفصل الأول: في أنسابهم وأوليتهم): هذا الجيل من الآدميين هم سكان المغرب القديم ملؤا البسائط والجبال من تلوله وأريافه وضواحيه وأمصاره يتخذون البيوت من الحجارة والطين ومن الخوص والشجر ومن الشعر والوبر ويظعن أهل العز منهم والغلبة لانتجاع المراعي فيما قرب من الرحلة لا يجاوزون فيها الريف إلى الصحراء والقفار الأملس ومكاسبهم الشاء والبقر والخيل في الغالب للركوب والنتاج وربما كانت الإبل من مكاسب أهل النجعة منهم شأن العرب ومعاش المستضعفين منهم بالفلح ودواجن السائمة ومعاش المعتزين أهل الانتجاع والأظعان في نتاج الإبل وظلال الرماح وقطع السابلة ولباسهم وأكثر أثاثهم من الصوف يشتملون الصماء وبالأكسية المعلمة ويفرغون عليه البرانس الكحل ورؤسهم في الغالب حاسرة وربما يتعاهدونها بالحلق ولغتهم من الرطانة الأعجمية متميزة بنوعها وهي التي اختصوا من أجلها بهذا الاسم.يقال: إن أفريقش بن قيس بن صيفي من ملوك التبابعة لما غزا المغرب وأفريقية وقتل الملك جرجيس وبنى المدن والأمصار وباسمه زعموا سميت أفريقية لما رأى هذا الجيل من الأعاجم وسمع رطانتهم ووعى اختلافها وتنوعها تعجب من ذلك وقال: ما أكثر بربرتكم فسموا بالبربر والبربرة بلسان العرب هي اختلاط الأصوات غير مفهومة ومنه يقال بربر الأسد إذا زأر بأصوات غير مفهومة.وأما شعوب هذا الجيل وبطونهم فإن علماء النسب متفقون على أنهم يجمعهم جذمان عظيمان وهما برنس وماذغيس ويلقب ماذغيس بالأبتر فلذلك يقال لشعوبه البتر ويقال لشعوب برنس البرانس وهما معا إبنا برنس وبين النسابين خلاف هل هما لأب واحد؟ فذكر ابن حزم عن أيوب بن أبي يزيد صاحب الحمار أنهما لأب واحد على ما حدثه عنه يوسف الوراق وقال سالم بن سليم المطماطي وصابى بن مسرور الكومي وكهلان بن أبي لوا وهم نسابة البربر: إن البرانس بتر وهم من نسل مازيغ بن كنعان والبتر بنو بر بن قيس بن عيلان وربما نقل ذلك عن أيوب بن أبي يزيد إلا أن رواية ابن حزم أصح لأنه أوثق.وأما شعوب البرانس فعند النسابين أنهم يجمعهم سبعة أجذام وهي ازداجة ومصمودة وأوربة وعجيسة وكتامة وصنهاجة وأوريغة وزاد سابق بن سليم وأصحابه: لمطة وهسكورة وكزولة وقال أبو محمد بن حزم: يقال إن صنهاج ولمط إنما هما إبنا امرأة يقال لها بصكي ولا يعرف لهما أب تزوجها أوريغ فولدت له هوار فلا يعرف لهما أكثر من أنهما أخوان لهوار من أمه قال: وزعم قوم من أوريغ أنه ابن خبوز بن المثنى بن السكاسك من كندة وذلك باطل.وقال الكلبي: إن كتامة وصنهاجة ليستا من قبائل البربر وإنما هما من شعوب اليمانية تركهما أفريقش بن صيفي بأفريقية مع من نزل بها من الحامية هذه جماع مذاهب أهل التحقيق في شأنهم فمن ازداجة مسطاطه ومن مصمودة غمارة بنو غمار بن مصطاف بن مليل بن مصمود ومن أوريغة هوارة وملك ومغد وقلدن فمن هوار بن أوريغ مليلة وبنو كهلان ومن ملك بن أوريغ صطط وورفل واسيل ومسراتة ويقال لجميعهم لهانة بنو لهان بن ملك ويقال إن مليلة منهم ومن مغد بن أوريغ ماواس وزمور وكبا ومصراي ومن قلدن بن أوريغ ممصاتة وورسطيف وبيانة وفل مليلة.(وأما شعوب البتر) وهم بنو مادغيس الأبتر فيجمعهم أربعة أجذام أداسة ونفوسة وضرية وبنو لوا الأكبر وكلهم بنو زحيك بن مادغيس فأما أداسة بنو أداس بن زحيك فبطونهم كلها في هوارة لأن أم أداس تزوجها بعد زحيك أوريغ ابن عمه برنس والد هوارة فكان أداس أخا لهوارة ودخل نسب بنيه كلهم في هوارة وهم سفارة واندارة وهنزولة وضرية وهداغة وأوطيطة وترهتة هؤلاء كلهم بنو أداس بن زحيك بن باذغيس وهم اليوم في هوارة.وأما لو الأكبر فمنه بطنان عظيمان وهما نفزاوة بنو نفزا وابن الأكبر ولواتة بنو لو الأصغر ابن لوا الأكبر فخلفه أبوه حملا فسمي به فمن لواته أكوزة وعتروزة وبنو فاصلة ابن لوا الأصغر ومنهم مزاته بنو زاير بن لوا الأصغر ومغانة وجدانة بنو كطوف بن لوا الأصغر.ومن لواتة سرداتة بنو نيطط بن لوا الأصفر ودخل نسب سرداتة في مغراوة قال أبو محمد بن حزم:كان مغراوة تزوج أم سرداتة فسار سرداته أخا بني مغراوة لأمهم واختلط نسبه بهم ومن نفزاوة أيضا بطون كثيرة وهم ولهاصة وغساسة وزهلة وسوماتة وورسيف ومرنيزة وزاتيمة ووركول ومرسينة ووردغروس ووردن كلهم بنو تطوفت من نفزاوة.وزاد ابن سابق وأصحابه مجر ومكلاتة وقال: ويقال إن مكلاتة ليس من البربر وأنه من حمير وقع إلى تطوفت صغيرا فتبناه وهو مكلا بن ريمان بن كلاع حاتم بن سعد بن حمير ولو لهاصة من نفزاوة بطون كثيرة من بيزغاش ودحية إبني ولهاص فمن بيزغاش بطون ورمجوسة وهم: رجال وطو وبورغيش ووانجذ وكرطيط وما أنجول وسينتت بنو رفجوم بن بيزغاش بن ولهاص ابن تطوفت بن نغزاو.قال ابن سابق وأصحابه: وبنو بيزغاش من لواتة كلهم بجبال أوراس ومن دحية ورترين وتريرو ورتبونت ومكرا ولقوس بنو دحية بن ولهاص بن تطوفت بن نغزاو وأما ضرية وهم بنو ضري بن زحيك بن مادغيس الأبتر فيجمعهم جذمان عظيمان: بنو تمصيت بن ضري وبنو يحيى بن ضري.وقال سابق وأصحابه أن بطون تمصيت كلها من فاتن بن تمصيت وأنهم اختصوا بنسب ضرية دون بطون يحيى فمن بطون تمصيت مطماطة وصطفورة وهم لحومية وللماية ومطغرة ومرينة ومغيلة ومعزوزة وكشاتة ودونة ومديونة كلهم بنو فاتن بن تمصيت بن ضري ومن بطون يحيى: زناتة كلهم وسمكان وورصطف.فمن ورصطف: مكناسة وأوكتة وورتناج بنو ورصطف بن يحيى فمن مكناسة ورثيفة ووربر ومن معليت قنصارة وموالات وحرات ورفلابس ومن ملزلولاين ولرتر ويصلتن وجرير وفرغان ومن روتناج مكنسة ومطاسة وكرسطة وسردجة وهناطة وفولان بنو ورتناج بن صطف ومن سمكان زواغة وزواوة بنو سمكان بن يحيى وعن ابن حزم بعد زواوة التي بالواو في كتامة وهو أظهر ويشهد له الوطن.فالغالب أن زواوة بنو سمكان بن يحيى وعن ابن حزم: بعد زواوة التي بالواو في بطون كتامة والتي تعد في سمكان هي التي بالزاي وهي قبيلة معروفة ومن زواغة بنو ماجر وبنو واطيل وسمكين وسيأتي الكلام فيهم مستوفي عند ذكرهم إن شاء الله تعالى.هذا آخر الكلام في شعوب هذا الجيل مجملا ولا بد من تفصيل فيه عند تفصيل أخبارهم.وأما إلى من يرجع نسبهم من الأمم الماضية فقد اختلف النسابون في ذلك اختلافا كثيرا وبحثوا فيه طويلا فقال بعضهم: أنهم من ولد إبراهيم عليه السلام من نقشان ابنه وقد تقدم ذكره عند ذكر إبراهيم عليه السلام وقال آخرون:البربر يمنيون وقالوا أوزاع من اليمن وقال المسعودي: من غسان وغيرهم تفرقوا عندما كان من سيل العرم وقيل: تخلفهم أبرهة ذو المنار بالمغرب وقيل من لخم وجذام كانت منازلهم بفلسطين وأخرجهم منها بعض ملوك فارس فلما وصلوا إلى مصر منعتهم ملوك مصر النزول فعبروا النيل وانتشروا في البلاد وقال أبو عمر بن عبد البر: ادعت طوائف من البربر أنهم من ولد النعمان بن حمير بن سبأ قال:ورأيت في كتاب الاسفنداد الحكيم: أن النعمان بن حمير بن سبأ كان ملك زمانه في الفترة وأنه استدعى أبناءه وقال لهم: أريد أن أبعث منكم للمغرب من يعمره فراجعوه في ذلك وزعم عليهم وأنه بعث منهم لمت أبا لمتونة ومسفو أبا مسوفة ومرطا أبا هسكورة وأصناك أبا صنهاجة ولمط أبا لمطة وإيلان أبا هيلانه فنزل بعضهم بجبل درن وبعضهم بالسوس وبعضهم بدرعه.ونزل لمط عند كزول وتزوج إبنته ونزل جانا وهو أبو زناتة بوادي شلف ونزل بنو ورتجين ومغراو بأطراف أفريقية من جهة المغرب ونزل مقرونك بمقربة من طنجة.والحكاية أنكرها أبو عمرو بن عبد البر وأبو محمد بن حزم وقال آخرون إنهم كلهم من قوم جالوت وقال علي بن عبد العزيز الجرجاني النسابة في كتاب الأنساب له: لا أعلم قولا يؤدي إلى الصحة إلا قول من قال إنهم من ولد جالوت ولم ينسب جالوت ممن هو وعند ابن قتيبة أنه ونور بن هربيل بن حديلان بن جالود بن رديلان بن حظي بن زياد بن زحيك بن مادغيس الأبتر ونقل عنه أيضا أنه جالوت بن هريال بن جالود بن دنيال بن قحطان بن فارس قال: وفارس مشهور وسفك أبو البربر كلهم قالوا: والبربر قبائل كثيرة وشعوب جمة وهي هوارة وزناتة وضرية ومغيلة وزيحوحة ونفزة وكتامة ولواتة وغمارة ومصمودة وصدينه ويزدران ودنجين وصنهاجة ومجكسة وواركلان وغيرهم وذكر آخرون منهم الطبري وغيره أن البربر أخلاط من كنعان والعماليق فلما قتل جالوت تفرقوا في البلاد وأغزى أفريقش المغرب ونقلهم من سواحل الشام وأسكنهم أفريقية وسماهم بربر وقيل إن البربر من ولد حام بن نوح بن بربر بن تملا بن مازيغ بن كنعان بن حام وقال الصولي: هم من ولد بربر من كسلاجيم بن مسراييم بن حام وقيل من العمالقة من بربر بن تملا بن مارب بن قاران بن عمر بن عملاق بن لاود بن إرم بن سام وعلى هذا القول فهم عمالقة وقال مالك بن المرحل: البربر قبائل شتى من حمير ومضر والقبط والعمالقة وكنعان وقريش تلاقوا بالشام ولغطوا فسماهم أفريقش البربر لكثرة كلامهم وسبب خروجهم عند المسعودي والطبري والسهيلي:أن أفريقش استجاشهم لفتح أفريقية وسماهم البربر وينشدون من شعره:بربرت كنعان لما سقتها ** من أراضي الضنك للعيش الخصيبوقال ابن الكلبي: اختلف الناس فيمن أخرج البربر من الشام فقيل داود بالوحي قيل: يا داود أخرج البربر من الشآم فانهم جذام الأرض وقيل يوشع بن نون وقيل أفريقش وقيل بعض الملوك التبابعة وعند البكري أن بني إسرائيل أخرجوهم عند قتل جالوت وللمسعودي والبكري أنهم فروا بعد موت جالوت إلى المغرب وأرادوا مصر فأجلتهم القبط فسكنوا برقة وأفريقية والمغرب على حرب الإفرنج والأفارقة وأجازوهم على صقلية وسردانية وميورقة والأندلس ثم اصطلحوا على أن المدن للإفرنجة وسكنوا القفار عصورا في الخيام وانتجاع الأمصار من الإسكندرية إلى البحر وإلى طنجة والسوس حتى جاء الاسلام وكان منهم من تهود ومن تنصر وآخرون مجوسا يعبدون الشمس والقمر والأصنام ولهم ملوك ورؤساء وكان بينهم وبين المسلمين حروب مذكورة وقال الصولي البكري أن الشيطان نزغ بين بني حام وبني سام فانجلى بنو حام إلى المغرب ونسلوا به وقال أيضا إن حام لما اسود بدعوة أبيه فر إلى المغرب حياء واتبعه بنوه وهلك عن أربعمائة سنة وكان من ولده بربر بن كسلاجيم فنسل بنوه بالمغرب قال: وانضاف إلى البربر حيان من المغرب يمنيان عند خروجهم من مأرب كتامة وصنهاجة قال: وهوارة ولمطة ولواتة بنو حمير بن سبأ وقال هانىء بن بكور الضريسي وسابق بن سليمان المطماطي وكهلان بن أبي لؤي وأيوب بن أبي يزيد وغيرهم من نسابة البربر أن البربر فرقتان كما قدمناه وهما:البرانس والبتر فالبتر من ولد بر بن قيس بن عيلان والبرانس بنو بربر سحو بن أبزج بن جمواح بن ويل بن شراط بن ناح بن دويم بن داح بن ماريغ بن كنعان بن حام وهذا هو الذي يعتمده نسابة البربر قال الطبري: خرج بربر بن قيس ينشد ضالة بأحياء البربر وهي جارية وتزوجها فولدت وعند غيره من نسابة البربر أنه خرج فارا من أخيه عمر بن قيس وفي ذلك تقول تماضر وهي أخته:ومما ينسب إلى تماضر أيضا: وأنشد علماء البربر لعبيدة بن قيس العقيلي: وينشد أيضا أبيات ليزيد بن خالد يمدح البربر: وعند نسابة البربر وحكاه البكري وغيره أنه كان لمضر ولدان إلياس وعيلان أمهما الرباب بنت جبده بن عمر بن معد بن عدنان فولد عيلان بن مضر قيسا ودهمان أما دهمان فولده قليل وهم أهل بيت من قيس يقال لهم بنو أمامة وكانت لهم بنت تسمى البهاء بنت دهمان وأما قيس بن عيلان فولد له أربعة بنين وهم سعد وعمر وأمهما مزنة بنت أسد بن ربيعة بن نزار وبر وتماضر وأمهما تمريغ بنت مجدل ومجدل بن عمار بن مصمود وكانت قبائل البربر يومئذ يسكنون الشام ويجاورون العرب في المساكن ويشاركونهم في المياه والمراعي ويصهرون إليهم فتزوج بر من قيس بنت عمه وهي البهاء بنت دهمان وحسده إخوته في ذلك وكانت أمه تمريغ من دهاة النساء فخشيت منهم عليه وبعثت بذلك إلى أخوالها سرا ورحلت معهم بولدها وزوجته إلى أرض البربر وهم إذ ذاك ساكنون بفلسطين وأكناف الشام فولدت البهاء لبر بن قيس ولدين: علوان ومادغيس فمات علوان صغيرا وبقي مادغيس فكان يلقب الأبتر وهو أبو البتر من البربر ومن ولده جميع زناتة.قالوا وتزوج مادغيس من بر وهو الأبتر باحال بنت واطاس بن محمد بن مجدل بن عمار فولدت له زحيك بن مادغيس وقال أبو عمر بن عبد البر في كتاب التمهيد في الأنساب: اختلف الناس في أنساب البربر اختلافا كثيرا وأنسب ما قيل فيهم أنهم من ولد قبط بن حام لما نزل مصر خرج ابنه يريد المغرب فسكنوا عند آخر عمالة مصر وذلك ما وراء برقة إلى البحر الأخضر مع بحر الأندلس إلى منقطع الرمل متصلين بالسودان فمنهم لواتة بأرض طرابلس ونزل قوم بقربها وهم نفزة ثم امتدت بهم الطرق إلى القيروان وما وراءها إلى تاهرت إلى طنجة وسجلماسة إلى السوس الأقصى وهم طوائف صنهاجة وكتامة وزكالة وركلاوة وفطواكة من هسكورة ومزطاوة وذكر بعض أهل الآثار أن الشيطان نزغ بين بني حام وبني سام فوقعت بينهم مناوشات كانت الدبرة فيها لسام وبنيه وخرج سام إلى المغرب وقدم مصر وتفرق بنوه ومضى على وجهه يؤم المغرب حتى بلغ السوس الأقصى وخرج بنوه في إثره يطلبونه فكل طائفة من ولده بلغت موضعا وانقطع عنهم خبره فأقاموا بذلك الموضع وتناسلوا فيه ووصلت إليهم طائفة فأقاموا معهم وتناسلوا هنالك.وكان عمر حام أربعمائة وثلاثا وأربعين سنة فيما ذكره البكري وقال آخرون: كان عمره خمسمائة وإحدى وثلاثين سنة وقال السهيلي فيمن هو يعرب بن قحطان.قال: وهو الذي أجلى سام إلى المغرب بعد أن كان الجرمي من ولد قرط بن يافث هذا آخر الخلاف في أنساب البربر.واعلم الله هذه المذاهب كلها مرجوحة وبعيدة من الصواب فأما القول بأنهم من ولد إبراهيم فبعيد لأن داود الذي قتل جالوت وكان البربر معاصرين له ليس بينه وبين إسحق بن إبراهيم أخي نعشان الذي زعموا أنه أبو البربر إلا نحو عشرة آباء ذكرناهم أول الكتاب.ويبعد أن تشعب النسل فيهم هذا التشعب وأما القول بأنهم من ولد جالوت أو العماليق وأنهم نقلوا من ديار الشام وانتقلوا فقول ساقط يكاد يكون من أحاديث خرافة إذ مثل هذه الأمة المشتملة على أمم وعوالم ملأت جانب الأرض لا تكون منتقلة من جانب آخر وقطر محصور والبربر معروفون في بلادهم وأقاليمهم متحيزون بشعارهم من الأمم منذ الأحقاب المتطاولة قبل الإسلام.فما الذي يحوجنا إلى التعليق بهذه الترهات في شأن أوليتهم ويحتاج إلى مثله في كل جيل وأمة من العجم والعرب وأفريقش الذي يزعمون أنه نقلهم قد ذكروا أنه وجدهم بها وأنه تعجب من كثرتهم وعجمتهم وقال: ما أكثر بربرتكم فكيف يكون هذا الذي نقلهم؟ وليس بينه وبين ذي المغار من يتشعبون فيه إلى مثل ذلك إن قالوا أنه الذي نقلهم؟ وأما القول أيضا بأنهم من حمير من ولد النعمان أو من مضر من ولد قيس بن عيلان فمنكر من القول وقد أبطله إمام النسابين والعلماء أبو محمد بن حزم وقال في كتاب الجمهرة ادعت طوائف من البربر أنهم من اليمن ومن حمير وبعضهم ينسب إلى بربر بن قيس وهذا كله باطل لا شك فيه.وما علم النسابون لقيس بن عيلان إبنا إسمه بر أصلا وما كان لحمير طريق إلى بلاد البربر إلا في تكاذيب مؤرخي اليمن.وأما ما ذهب إليه ابن قتيبة أنهم من ولد جالوت وأن جالوت من ولد قيس بن عيلان فأبعد عن الصواب فإن قيس عيلان من ولد معد.وقد قدمنا أن معدا كان معاصرا لبختنصر وأن أرمياء النبي خلص به إلى الشام حذرا عليه من بختنصر حين سلط على العرب وبختنصر هو الذي خرب بيت المقدس بعد بناء داود وسليمان إياه بأربعمائة وخمسين سنة ونحوها فيكون معد بعد داود بمثل هذا الأمد فكيف يكون ابنه قيس أبا لجالوت المعاصر لداود؟ هذا في غاية البعد وأظنها غفلة من ابن قتيبة ووهما.والحق الذي لا ينبغي التعديل إلا على غيره في شأنهم أنهم من ولد كنعان بن حام بن نوح كما تقدم في أنساب الخليفة وأن اسم أبيهم مازيغ وإخوتهم أركيش وفلسطين إخوانهم بنو كسلوحيم بن مصرايم بن حام وملكهم جالوت سمة معروفة له.وكانت بين فلسطين هؤلاء وبين بني إسرائيل بالشام حروب مذكورة وكان بنو كنعان وواكريكيش شيعا لفلسطين فلا يقعن في وهمك غير هذا فهو الصحيح الذي لا يعدل عنه ولا خلاف بين نسابة العرب أن شعوب البربر الذي قدمنا ذكرهم كلهم من البربر إلا صنهاجة وكتامة فإن بين نسابة العرب خلافا والمشهور أنهم من اليمنية وأن أفريقش لما غزا أفريقية أنزلهم بها وأما نسابة البربر فيزعمون في بعض شعوبهم أنهم من العرب مثل لواتة يزعمون أنهم من حمير ومثل هوارة يزعمون أنهم من كندة من السكاسك ومثل زناتة تزعم نسابتهم أنهم من العمالقة فروا أمام بني إسرائيل وربما يزعمون فيهم أنهم من بقايا التبابعة ومثل عمارة أيضا وزواوة ومكلاتة يزعم في هؤلاء كلهم نسابتهم أنهم من حمير حسبما نذكره عند تفصيل شعوبهم في كل فرقة منهم وهذه كلها مزاعم والحق الذي شهد به المواطن والعجمة أنهم بمعزل عن العرب إلا ما تزعمه نسابة العرب في صنهاجة وكتامة.وعندي أنهم من إخوانهم والله أعلم.وقد انتهى بنا الكلام إلى أنسابهم وأوليتهم فلنرجع إلى تفصيل شعوبهم وذكرهم أمة بعد أمة ونقتصر على ذكره من كانت له منهم دولة ملك أو سالف شهرة أو تشعب نسل في العالم وعدد لهذا العهد وما قبله من صنفي البرانس والبتر منهم وترتيبهم شعبا شعبا حسبما تأدى إلينا من ذلك واشتمل عليه محفوظنا والله المستعان.
|